words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(31) الطواغيت الأحياء أعظم من الطواغيت الأموات




أقصد بالطواغيت الأحياء أئمة الكفر والحكام المرتدين الذين يحكمون المسلمين بالشرائع الْمُبَدَّلة ويشيعون الكفر والفواحش فيهم، وأقصد بالطواغيت الأموات القبور والأحجار والأشجار وغيرها من الجمادات التي تُعبد من دون الله تعالى بشتى صور العبادة من الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وغيرها، فلا جدال في أن الأحياء أعظم فتنة وفسادا من هؤلاء، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بقتال الطواغيت الأحياء قبل إزالة الطواغيت الأموات، فما أزال النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام إلا بعد فتح مكة، كما روى البخاري (4287) عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:
"دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد".
ثم أرسل صلى الله عليه وسلم أصحابه لإزالة بقية الأصنام بجزيرة العرب، وذلك بعد ما أزال سلطان الطواغيت الأحياء، مع إنكاره صلى الله عليه وسلم عليهم وعلى أصنامهم وتبرئه منهم منذ بدء البعثة.
وهذه هي ملة إبراهيم - عليه الصلاة السلام - البراءة من الكافرين الأحياء قبل البراءة من معبوداتهم قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، قال الشيخ حمد بن عتيق:
"وها هنا نكتة بديعة في قوله: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهي أن الله تعالى قدم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله، لأن الأول أهم من الثاني، فإنه قد يتبرأ من الأوثان ولا يتبرأ ممن عبدها، فلا يكون آتيا بالواجب عليه، وأما إذا تبرأ من المشركين، فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم. وهذا كقوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}، فقدم اعتزالهم على اعتزال معبوداتهم، وكذا قوله: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وقوله: {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ}، فعليك بهذه النكت، فإنها تفتح بابا إلى عداوة أعداء الله، فكم من إنسان لا يقع منه الشرك، ولكنه لا يعادي أهله، فلا يكون مسلما بذلك إذ ترك دين جميع المرسلين.
ثم قال: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} فقوله: وبدا أي ظهر وبان وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يُبغض المشركين ولا يعاديهم، فلا يكون آتيا بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولابد أيضا من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بينتين.
واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب فإنها لا تنفع حتى تظهر آثارها، وتتبين علامتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين. وأما إذا وجدت الموالاة والمواصلة، فإن ذلك يدل على عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا الموضع فإنه يجلو عنك شبهات كثيرة".
وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}.
وليس المقصد مما سبق بيان الترتيب بل بيان الأهمية، فلا يعني كلامي السابق مشروعية السكوت عن الطواغيت الأموات وعابديهم حتى نقضي على الطواغيت الأحياء، فإن الشريعة قد اكتملت ومن رأى منكم منكرا فليغيره قدر الاستطاعة، أما الأهمية التي أردت التنبيه عليها: فهي أن إفساد الطواغيت الأحياء لدين الناس يكاد يهدد الجم الغفير من المسلمين بالردة الشاملة تارة بالإرهاب وتارة بالمكر والخديعة، وهذا الإفساد لا يدانيه خطر الطواغيت الميتة.
فالعجب من أناسٍ ينتسبون إلى العلم والدين ومذهب السلف فَرَّغوا أقلامهم في هذا الزمان لمهاجمة الطواغيت الميتة ونسوا أو تناسوا الطواغيت الحية، وترى أحدهم يعيش في بلد يستظل بالقوانين الوضعية الكافرة والديمقراطية الكافرة، وهو متجاهل لها تماما ويغض الطرف عنها وهو - مع هذا - يشهر حسامه وسيفه - على صفحات الكتب - على الطواغيت الميتة وعلى عابديها من العُزَّل من السلاح، قال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}، فتأمل هذا تدرك بعض أسباب ما نحن فيه من محن وبلاء، وهو أن المستَأمَنِين على العلم والدين لم يؤدوا دورهم في البلاغ والتحذير، فكيف بمن رضي وتابع؟ وكيف بمن أسبغ الشرعية على هؤلاء الطواغيت؟! وإذا تكلم أحدهم عن الجهاد تجده يذكر الجهاد في فلسطين وأفغانستان فقط لأن هذا هو القدر المسموح به في بعض البلدان، مع أن جهاد الحكام المرتدين أوجب من جهاد اليهود فكلاهما عدو كافر حل ببلد المسلمين ويفوق الحكام المرتدون اليهودَ بأمرين: القرب والرِّدة وكلاهما يستوجب البدء بهؤلاء الحكام، كما لا يخفى أن من يجاهد في فلسطين أو أفغانستان يسمى بطلا وشهيدا وتغدق عليه الأموال والإعانات أما في غيرهما فهو مجرم إرهابي خارج على الشرعية، شرعية الكفر، فتأمل هذا.
وتأمل أيضا هذا الحديث تدرك خطر الطواغيت الحية، وهو ما رواه البخاري (3834) عن قيس بن أبي حازم:
"أن امرأة من أحمس سألت أبي بكر فقالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس".
وقال ابن حجر في شرحه "فتح الباري" 7/ 151:
"(ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح) أي: دين الإسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع كلمة ونصر المظلوم ووضع كل شيء في محله (ما استقامت بكم أئمتكم) أي: لأن الناس على دين ملوكهم، فمن حَادَ من الأئمة عن الحال مَالَ وأَمَال".
وقال عبد الله تعالى بن المبارك رحمه الله:
وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها؟
قلت: ومما يؤسف له أن سكوت هؤلاء المنتسبين إلى العلم عن الطواغيت الأحياء صار حجة للسكوت عند فئام من الشباب وحجة للقعود عن الجهاد المتعين، وصار الجهاد عند هؤلاء مقصورا على جهاد القبوريين والصوفية، وهل يحيا القبوريون والمتصوفة إلا في كنف الطواغيت الأحياء؟

٭ ٭ ٭

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام