words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(17) شبهة ولا نكفر مسلما بذنب ما لم يستحله




(ولا نكفر مسلما بذنب ما لم يستحله) ليس على إطلاقه، بل لا بد أن يُقيّد هذا بقيد، فنقول: (لا نكفر مسلما بذنب غير مكفر ما لم يستحله).
بدليل أن الاستهزاء بالله ودينه ذنب، وسب الله ورسوله ذنب، والسجود للصنم ذنب، ورمي المصحف في القذر ذنب، وقتل الأنبياء ذنب، والتشريع مع الله ذنب، ومع هذا فقد علمت أن فاعل ذلك كله كافر استحله أم لم يستحله، فالذنوب منها ما هو من المكفرات، ومنها ما هو معاص مجردة لا تخرج من دائرة الإسلام، فلا يقال للأول عند التكفير استحل أو لم يستحل، بخلاف الثاني فلا بد من ذلك لأن الأصل في فاعلها أنه فاسق مِلّي وليس بكافر.
ثم هذه المقولة ليست قرآنا منزّلاً حتى يعارض بها كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم كما يفعل جهال مرجئة العصر، بل الحق ضبطها وتقييدها بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإن كان بعضهم يرفعها ويجعلها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا يصح وهو حديث موضوع لا أصل له كما ذكر ابن القيم في "بدائع الفوائد" 4/ 42.
- ومن هذا القبيل ما يروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل...الحديث" رواه أبو داود وأبو يعلى وهو حديث لا يصح، يرويه عن أنس يزيد الرقاشي، قال أبو حاتم: أكثر الرواية عن أنس بما فيه نظر وفي حديثه ضعف.
وقال ابن حبان: غفل عن حفظ الحديث شغلاً بالعبادة حتى كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة التعجب [[1]].
- ومثله ما يرويه الطبراني في الكبير عن ابن عمر مرفوعا: "كُفّوا عن أهل لا إله إلا الله ولا تكفروهم بذنب، من كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب".
وفيه الضحاك بن حُمرة وعلي بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان، فهذه هي بضاعة القوم كلها آثار ضعيفة متكلم فيها، وحتى لو ثبت شيء منها أو في معناها، فينبغي أن تحمل على مبينها من الكتاب والسنة، فتفهم كما فهمها السلف لا كما يهوى مرجئة العصر ويشتهون، فيحمل ذلك على من حقق التوحيد واجتنب النواقض والشرك والتنديد، كما جاء في بعض الأحاديث المبينة لهذا، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل"
رواه مسلم.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
"وهذا من أعظم ما يبين لك معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له. بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله".
ومعلوم أن النفي في كلمة (لا إله إلا الله) يحتوي على معان منها المعنى الذي فصّله الحديث بقوله: (وكفر بما يعبد من دون الله) فتأكيد هذا المعنى عقبها مع أنه مستفاد منها يدل على أنه أجل معانيها وأهمها، وسيأتي بسط الكلام في هذا عند شبهة: "أنهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون".
وهكذا الحال في لفظة "أهل القبلة" التي يذكرها السلف في أشباه هذه المقولة، فعن جابر رضي الله عنه أنه قيل له:
"هل كنتم تدعون أحدا من أهل القبلة مشركا؟ قال: معاذ الله ففزع لذلك، قال: هل كنتم تدعون أحدا منهم كافرا قال: لا" رواه أبو يعلى والطبراني في "الكبير".
ومثلها ما جاء في "العقيدة الطحاوية" ويردده أفراخ المرجئة دون أن يفقهوا معناه: "ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله".
فليس المراد أهل القبلة الذين يصلون عموما وإن كانوا مرتدين من أبواب أخرى، بل المراد المسلمين الموحدين منهم المجتنبين للنواقض، بدليل أن الصحابة كفّروا مانعي الزكاة، ومن السلف من كفّر تارك صيام رمضان وتارك الحج كما سيأتي، وكذلك ليس المراد أن الصلاة وحدها تعصم من الكفر وإن أشرك مع الله وعبد غير الله، فإن الصلاة لا تقبل بدون التوحيد الذي هو أصل الإيمان وشرطه، وسيأتي تفصيل هذا أيضا.
(فأهل القبلة) هم الموحدون المجتنبون لنواقض الإسلام (والمراد من النهي عن تكفيرهم) أن لا يكفّروا بمطلق الذنوب التي لا يكفر مرتكبها، فإنه لا يكفرهم بذلك إلا الخوارج ومن سار على نهجهم، ولذا قال شارح الطحاوية (ص 316):
"يشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب".
وقال (ص 317):
"ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب كما تفعله الخوارج، وفرق بين النفي العام، ونفي العموم، والواجب هو نفي العموم، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب ولهذا والله أعلم - قيّده - الشيخ رحمه الله بقوله ما لم يستحله، وفي قوله: ما لم يستحله، إشارة إلى مراده من هذا النفي لكل ذنب من الذنوب العملية لا العلمية"ـ
قلت: المراد باصطلاح الذنوب العملية عندهم الذنوب غير المكفرة، كما هو ظاهر من أول كلامه، أما الأعمال مطلقا، فقد علمت أن فيها تفصيلاً وسيأتي المزيد من التفصيل، ومن هذا يظهر لك بطلان احتجاجهم للطواغيت بتلك المقولة، وبطلان زعمهم الإجماع على لفظها المطلق هذا، وفهمهم الفاسد لها، وإليك قول إمام أهل السنة والجماعة في ذلك:
قال الخلال: أنبأنا محمد بن هارون: أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال:
"حضرتُ رجلاً سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله، إجماع المسلمين على الإيمان بالقدر خيره وشره؟ قال أبو عبد الله: نعم.
قال: ولا نكفر أحدًا بذنب؟
فقال أبو عبد الله: اسكت، من ترك الصلاة فقد كفر، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر" [[2]].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" 7/ 302:
"وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا إن أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، أما هذه المباني ففي تكفيرها نزاع مشهور".
قلت: فكيف بأصل الأصول الذي لا نقبل هذه المباني بدونه؟!
فدل هذا كله على بطلان الإجماع المذكور، وعلى وجوب فهم هذه المقولة على ضوء الأدلة المبينة الأخرى، تماماً كما فهمها السلف، وتقييدها كما قيدوها.

٭ ٭ ٭
__________________ 

[1] - قال الشيخ عبد اللطيف في "مصباح الظلام" (ص 166):
"الصحيح وقفه وليس من المرفوع، والجملة الأخيرة، وهي قوله: (والجهاد ماض منذ بعثني الله) فهي تروى".
[2] - من "المسند" تحقيق أحمد شاكر 1/ 79.
ولعل الشيخ عبد اللطيف يقصد هذا الأثر أو نحوه بإشارته في رده على من عدَّ (أهل الكويت) ونحوهم من عباد القبور في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من (أهل القبلة)،
حيث قال في مصباح الظلام (ص 144):
"وفيه إشعار بأنه لم يعرف مراد العلماء بقولهم: (أهل القبلة لا يُكَفِّرون بالذنوب) ولم يعرف مراد العلماء ولا أصل هذه الكلمة وما تساق له، فكلامه ظلمات بعضها فوق بعض، وقد أنكر الإمام أحمد قول الناس: (لا نكفر أهل القبلة بذنب) مع أن مراد من قاله، مراد صحيح لا يمنعه أحمد، ولكن الشأن في الألفاظ والعموميات وما يُسلَّم منها وما يمنع".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام