words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(14) فرية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لم يحكم بما أنزل الله) بتعطيله لحد السرقة عن بعض المضطرين في عام الرمادة




الجواب:

هذا وقد رأيت لبعض من ختم الله على سمعه وبصره وجعله أضل من الأنعام بإعراضه وانشغاله عن تعلم أصل دينه وتوحيده بالحياة الدنيا وزخرفها، فرية وكلاما أتنزه عن الإطالة فيه، مفاده أن "الفاروق رضي الله عنه لم يحكم بما أنزل الله يوم عطل العمل بحد السرقة في عام الرمادة".
فأقول كما قال بعض أهل العلم: إن وقوف المؤمن العارف بدين الله على هذه الضلالات والجهالات المركبة، فيه تنبيه له على نعمة الله عليه، وحث على شكر نعمة التوحيد والإسلام والفهم في دين الله، قال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269]، قال بعض السلف: من أعطي القرآن ورأى أن أحدًا فوقه فما عرف نعمة الله عليه.
ثم أقول بإيجاز: قد فصلنا لك فيما تقدم أن الحكم بغير ما أنزل الله يطلق على معنيين: أحدهما تشريعي استبدالي كفري، والآخر من الجور في الحكم والقضاء للهوى أو الشهوة دونما استحلال [[1]].
وبيان أن فعل عمر الفاروق لا يمت إلى كلا النوعين بصلة، والخوض في ذلك وتفصيله هو في الحقيقة مضيعة للوقت، بل هو استخفاف بالقارئ واستصغار لعقله بمخاطبته بما هو من قبيل تبيين البيّن وتوضيح الواضح فهذا لا يكون إلا مع السفهاء، أما فعله رضي الله عنه في عام الرمادة فهو اجتهاد محض مصيب فيه يؤجر عليه أجرين إن شاء الله، وهو قطعا وبلا شك من الحكم بما أنزل الله وليس بخارج عنه بحال، إذ هو إعمال لمقاصد الشريعة التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بها وأنزل الكتاب ووضعت
حدود الشريعة من أجل تحقيقها وهي حفظ مصالح الناس الأساسية الشرعية وتحصيل أعظمها ودرء المفاسد عنها، وهذه المصالح الشرعية مضبوطة معلومة باستقراء نصوص الشريعة وليست هي تبع للأهواء والاستحسانات كما يتوهمه كثير من الرويبضة السفهاء، فمنها ما هو ضروري ومنها ما هو حاجي وآخر تحسيني تكميلي، أما الضروريات فهي ست:
(الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال)، وهي أهم المصالح على الإطلاق، وأعلاها وأجلها هو الدين (التوحيد) فإذا ما تعارضت هذه الضروريات أو أحدها مع مصلحة حاجية أو تكميلية قدمت الضرورية بلا خلاف، أما إذا تعارضت مصلحتان ضروريتان فإن التقديم يكون للأهم والأعظم منهما، من باب تحصيل أعظم المصلحتين المتعارضتين بتفويت أدناهما، أو درء أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وهذا باب عظيم من أبواب الفقه، وهو من أعظم مقاصد شريعة الله وحكمها وقواعدها، ومن وفق إلى فهمه ومعرفته فقد هدي إلى معرفة كثير من أسرار الشريعة وحكمها، وفهم هذا الباب وتطبيقه في الواقع، هو دون شك من أصول الشريعة ومن الحكم بما أنزل الله، ولم يكن اجتهاد عمر رضوان الله تعالى عليه في عام الرمادة إلا من هذا، فقد قدم مصلحة النفوس وحفظها على مصلحة المال وحفظها عندما تعارضتا، فقد كان الناس في مخمصة عظيمة والضرورات تبيح المحظورات، فكان أكل المال المسروق كأكل الميتة في تلك الظروف: يباح، بل يجب على قول طائفة من أهل العلم إذا تحقق الهلاك، وتاركه في مثل ذلك عاص لله قاتل لنفسه كما يقول ابن حزم، واحتج بقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29]، قال في "المحلى" 11/ 343:
"وهو عموم لكل ما اقتضاه لفظه".
فدفع رضي الله عنه قدر ما استطاع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وحافظ على أعظم المصلحتين (أرواح الناس ونفوسهم) بتفويت أدناهما (أموالهم) لتعارضهما في تلك الظروف الخاصة، وهذا من فقهه رضي الله عنه في دين الله وهو تحكيم لمقاصد الشريعة ومحافظة على مصالحها وضرورياتها التي ما وضعت الحدود كلها أصلاً إلا لحفظها وتحصيلها ودرء المفاسد عنها، ولذا قال ابن القيم فيه: "وهذا مقتضى قواعد الشرع" [[2]].
فهو إذن حكم بما أنزل الله، وليس كما يلبس أعداء الله، وهذا واضح بيّن، وشتان شتان بينه وبين الحكم بغير ما أنزل الله بأقل أنواعه شرًا، فكيف بأطمها؟
والله ما استويا ولن يتلاقيا…حتى تشيب مفارق الغربان
ولا يَنسب الفاروق إلى غير هذا أو يتهمه بالحكم بغير ما أنزل الله إلا كافر زنديق، أو رافضي خبيث غاظه عدلُ الفاروق ودينه.

٭ ٭ ٭
____________________ 

[1] - انظر الرد على الشبهة رقم (12) بعنوان: (خلط مرجئة العصر بين ترك حكم الله في قضية ما، وبين الحكم بمعناه التشريعي).
[2] - "إعلام الموقعين" 3/ 11 في (تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان) فصل (سقوط حد السرقة أيام المجاعة) وذكر فيه أثر عمر:
(أن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال: يا كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولى بهم، ردهم عمر ثم قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم عليه حل له، لقطعت أيديهم، وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة، قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة) وذكر مذهب أحمد رحمه الله في سقوط الحد عام المجاعة، وتضعيف الغرم على من درئ عنه الحد والقود لسبب شرعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام