words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(28) ذهب البعض إلى أن اجتماع المسلمين في جماعة للقيام بواجبات الدين في هذا الزمان - حيث لا إمام للمسلمين - ليس بواجب بل الواجب العزلة وأن يهتم المرء بشأن خاصته




هذا القول يؤدي إلى اصطلام الإسلام وأهله، ولهم في قولهم هذا شبهة، حيث استدلوا بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعا:
"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دَخَن، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" متفق عليه.
والرد على هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: أنه كما يتضح من نص الحديث أن الفرق التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باعتزالها هي فرق الضلالة المذكورة في قوله (دعاة على أبواب جنهم...) ويدل على هذا:
أ - اسم إشارة (تلك) عائد على مذكور قبله في النص.
ب - الألف واللام في (الفرق) للعهد، وتدل على مذكور من قبل، معهود في الذهن، ولا يصح أن تكون للجنس وإلا دخلت في الفرقِ الفرقةُ الناجية وهذا باطل بالإجماع، ومن هذا ترى أن لفظ الفرق - المأمور باعتزالها - وإن كانت صيغة العموم إلا أنه من العام الذي يراد به الخصوص، فالفرق المشار إليها هي فرق الضلالة لا غير، كما وردت في رواية أخرى لنفس الحديث "ثم تنشأ دعاة الضلالة" رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن.
الوجه الثاني: وهو الذي نُنَبِّه عليه باستمرار أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من نص واحد - إلا إذا لم يكن هناك غيره - ولكن تؤخذ من مجموع أدلة المسألة بالجمع بينها وبالتخصيص أو التقييد أو النسخ أو غير ذلك من أساليب جمع الأدلة، وفي هذه المسألة: نقول: إن الاعتزال الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: (فاعتزل تلك الفرق) إن افترضنا جدلا أنه على عمومه - رغم أنه من العام الذي يراد به الخصوص - فنقول إنه مُخَصَّص أيضا بعدة نصوص منها حديث الفرقة الناجية ومنها حديث الطائفة المنصورة.
أ - أما حديث الفرقة الناجية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، في الأهواء كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة"، وفي رواية أخرى أن الناجية هي "ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: "دعاة على أبواب جنهم" هو نفس قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الفرق: "كلها في النار" ثم استثنى فقال صلى الله عليه وسلم: "إلا واحدة" وهذه الواحدة - وهي الناجية - مُخَصِّصة لعموم الاعتزال المأمور به أي اعتَزِلْ فرق الضلالة والتَزِمْ الفرقة الناجية التي منهجها "ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، وهي أيضا الجماعة لأن (الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك) كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
ب - وأما حديث الطائفة المنصورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس" أخرجه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" أخرجه مسلم، وهو حديث مشهور بل متواتر كما ذكر ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" مروي عن خمسة عشر صحابيا وأخرجه أصحاب الكتب الستة والمعاجم والمسانيد وفي كتب السنة وسائر كتب السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
فهذه طائفة قائمة بأمر الدين تقاتل عليه، موعودة بالنصر والظهور، مُبَشَّرة بأنها لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، باقية بلا انقطاع من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخرها الدجال مع عيسى عليه السلام، فهل يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين باعتزال هذه الطائفة القائمة بأمر الدين؟ ولذلك فنحن نقول إنه إذا حُمِلَ قوله صلى الله عليه وسلم: "فاعتزل تلك الفرق كلها" على العموم، فإنه مُخَصَّص لهذا الحديث كما أنه مُخَصَّص بحديث الفرقة الناجية، فإذا افترق الناس شيعا - في غيبة الإمام - فينظر المسلم أي الفرق تَتَّبِعُ منهج الفرقة الناجية وتقوم بحمل أمانة هذا الدين وتجاهد على ذلك فيلتزمها، خاصة وقد دلت النصوص التي وردت في مسألة (الغزو مع الأمير الفاجر) على أن الجهاد ماض لا ينقطع، وقال ابن قدامة:
"فإن عدم الإمام لا يؤخر الجهاد".
 فكيف يقوم الجهاد بلا جماعة؟
نعم قد قال ابن حجر في شرح حديث "فاعتزل تلك الفرق كلها":
"وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر".
 إلا أنني قلت من قبل إن حديث الطائفة المنصورة يخصص كثيرا من أحاديث الفتن، ومثال ذلك ما ذكره ابن حجر في باب (تَغَيُّر الزمان حتى تعبد الأوثان) قال:
"قال ابن بطال: هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء، لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة، إلا أنه يضعف ويبقى غريبا كما بدأ. ثم ذكر حديث (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق) الحديث، قال: فتبين في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى".
ولذلك أقول إن حديث الطائفة المنصورة مُخَصِّص لحديث (فاعتزل تلك الفرق كلها) ويمكن كذلك القول بأن الاعتزال في الحديث معلق على شرطين وهما: غياب الجماعة وغياب الإمام (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل) وأنه إذا غاب الإمام ووُجِدت الجماعة بطل الاعتزال لأنه معلق على شرطين وليس شرطا واحدا، إلا أن هذا الاستنباط غير مستقيم، لأن الجماعة في حديث حذيفة يُقْصَد بها جماعة المسلمين التي هي في طاعة الإمام (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) وإذا غاب الإمام غابت بالتبعية الجماعة بهذا المعنى، فلا يستقيم هذا الاستنباط، والقول بأن حديث الطائفة المنصورة مخصص لحديث حذيفة أولى منه.
والمقصد من الكلام السابق هو أن المسلم مأمور باتّباع الحق، ومأمور باتباع إمام المسلمين إن وُجِدَ (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله، فإن لم يكن إمام للمسلمين، فما زال المسلم مأمورا باتباع الحق، وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق، ففي غياب الإمام يجب على المسلم التزام هذه الطائفة القائمة بأمر الدين علما ودعوة وجهادا، وقد قال الله تعالى {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع (حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وأتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا) لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم.
قال عمرو بن ميمون الأودي: صَحِبْت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها، فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة، قال قلت: يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثونا؟ قال: وما ذاك؟ تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صل الصلاة وحدك، وهي الفريضة،
وصل مع الجماعة وهي نافلة؟ قال يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟ قلت: لا، قال: إن جمهور الجماعة: الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك) وفي طريق أخرى (فضرب على فخذي وقال: ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل)، قال نعيم بن حماد (يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ).


٭ ٭ ٭

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام