words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(18) شبهة احتجاجهم بقول عبد الله بن شقيق العقيلي أن الصحابة لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة




هذا وقد احتج بعض أفراخ المرجئة للترقيع للطواغيت بقول عبد الله بن شقيق العقيلي رضي الله عنه:
"كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
فإذا ما تساهلنا معهم وأرجأنا الكلام في مسألة حجية مثل هذا، والخلاف فيه عند أهل العلم بالأصول خصوصا إذا وجد المخالف والمعارض له من الصحابة، وانتقلنا إلى فهم المراد من هذا الأثر، فالواجب علينا لزامًا معرفة الأعمال المشار إليها فيه، فإما أن نطلقها فندخل فيها كل ما يقع عليه مسمى العمل، فيدخل (التوحيد) والكفر بالطاغوت ونحوه، إذ هي أعمال وهذا باطل، لأن تركها كفر بالاتفاق، أو نقيدها بما هو دون ذلك من أعمال، فيبطل الاحتجاج بهذا الأثر على طامة زماننا الشركية - والتي لم يكن لها وجود يوم قيل هذا الأثر أصلاً - أعني "ترك تحكيم شرع الله وتحكيم الطواغيت المحلية والدولية" خصوصًا وأن القضية كما علمت سابقًا ليست مجرد ترك الحكم ببعض شرع الله أحيانًا بل هي تول مطلق عن حدود الله، وتشريع واستبدال، أي: دخول في دين الطواغيت وعبادتها واتخاذها أربابًا متفرقة بطاعتها في التشريع وعدم البراءة منها ومن تشريعاتها، وليس في هذا ترك التوحيد والإعراض عنه وحسب، بل فيه هدمه وحربه، ومعلوم أن هذا الأصل الذي خصومتنا فيه، لا يكفر محاربه وهادمه والصاد عنه وحسب، بل وحتى التارك له تركًا مجردًا المعرض عنه، إذ هذا ليس تركًا لعمل مستحب أو واجب من الواجبات التي لم يأثم تاركها وحسب، وإنما هو ترك وإعراض عن أصل الإسلام الأصيل، والشرط الذي لا يقبل عمل من الأعمال دونه، فكيف بالهادم له المحارب الصاد عنه؟!
وعلى كل حال، فلا ينبغي تحميل هذا الأثر أكثر مما يحتمل، إذ هو لا يتكلم عن شعب الكفر العملية ولا القولية، التي عرفت كثيرًا منهم فيما تقدم، وإنما يتكلم عن ترك شعب الإيمان العملية، فليس جميع الأعمال التي هي من شعب الإيمان العملية تركها كفر، كإماطة الأذى عن الطريق، والبذاذة والحياء وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك ونحوها، فإنه من المعلوم أنه إذا زال شيء من أمثال هذه الشعب لم يزُل الإيمان بالكلية ولم ينتقض، وإنما ينتقص بقدرها إن كانت من واجبات الإيمان، أما شعب الإيمان التي هي من أصله فإن الإيمان ينتقض بزوالها أو بزوال بعضها، كالصلاة التي ذكرت في هذا الأثر على أنها الشعبة العملية الوحيدة التي يناقض تركها للإيمان، وذلك لأن أهل السنة اعتبروا الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فمن الأعمال عندهم ما هو من كمال الإيمان (أي: المستحب)، ومنها ما هو من الإيمان الواجب، ومنها ما هو شرط لصحة الإيمان.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في "كتاب الصلاة" (ص 53):
"لما كان الإيمان له شعب متعددة وكل شعبة منها تسمى إيماناً كالحياء والتوكل .. إلخ حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان.
وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة. ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى) اهـ مختصرًا.
هذا عند أهل السنة، أما المرجئة والجهمية ومن تابعهم فإنهم يتخبطون في مسمى الإيمان وعلاقة الأعمال به، وبالتالي فليس من الأعمال شيء يزول بزواله الإيمان عندهم، وتأمّل كلام ابن القيم في شعبة الشهادة، فإن دندنتنا كلها حولها.
وأما كون هذا الأثر ينص على أن الصحابة لا يرون من شعب الإيمان العملية ما يكفر تاركه إلا الصلاة، فلا ينبغي فهمه على أنه إجماع منهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، بل أقصى ما يقال فيه أنه قول طائفة منهم، وأُطلق القول فيه تعظيمًا لشأنها، لأن منطوقه معارض مخالف بأقوال طائفة من الصحابة وأتباعهم، خصوصا فيما يسميه ابن تيمية بـ (المباني)، وهذا مبسوط في محله قد ذكره أهل العلم فيما صنفوه من كتب الإيمان، بل هو معارض بإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة قتال ردة، فقد انعقد إجماعهم بعد المناظرة التي جرت بين أبي بكر وعمر على قتالهم، ومعلوم أن كثيرًا منهم لم يجحدها وإنما منعها منعًا مجردًا، ومع هذا قاتلهم الصحابة جميعًا وكان قتالهم قتال أهل ردة فاستحلوا دماءهم وأموالهم بل وسبوا نساءهم وما (محمد ابن الحنفية) بن علي بن أبي طالب، إلا ابن امرأة من ذلك السبي، وعد هذا الفعل من مناقب الصديق رضوان الله عليه، فكيف إذا كانت قضيتنا هي (الكفر بالطاغوت) الذي ليس هو شعبة كسائر تلك الشعب، بل هو أعلاها وأعظمها فهو شطر أصل الإيمان وقاعدته.
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في "مصباح الظلام" (ص 65):
"وأصل الإسلام ومبانيه لها شأن ليس لغيرها من السنن، ولذلك يكفر جاحدها ويقاتل عليها، بل يكفر تاركها عند جمهور السلف بمجرد الترك".
وقد ذكر شيخ الإسلام أقوالهم حول ذلك في مواضع كثيرة من فتاويه انظر 7/ 302 حيث قال:
"وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر بترك واحدة منها - وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن حبيب.
وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط.
ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، والزكاة إذا قاتل عليها الإمام.
ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة [[1]].
وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن، وهذه أقوال معروفة للسلف".
وكذا 7/ 259 وفيه قوله:
"وكذلك عنه رواية أنه يكفر بترك الصيام والحج، إذا عزم أنه لا يحج أبدًا".
ونقل عن الحكم بن عتبة 7/ 302 قوله:
"من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر.
وعن سعيد بن جبير: من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر بالله، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر بالله، ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر بالله".
ونقل عن محمد بن نصر المروزي 7/ 333:
"فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقًا ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد".
ويقول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "السنة" 1/ 347:
حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء؟
فقال: يقولون الإيمان قول، ونحن نقول الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرّا بقلبه على ترك الفرائض وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء، لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود.
- أما آدم، فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون مَلكًا أو يكون من الخالدين فسمي عاصيا من غير كفر.
- وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا.
- وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عز وجل كفارا.
فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الأنبياء.
وأمّا ترك الفرائض جحودًا فهو كفر مثل كفر إبليس لعنة الله.
وتركهم على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر علماء اليهود والله أعلم".
أقول: فإذا كانت هذه أقوالهم حول ترك الفرائض والمباني التي هي من شعب الإيمان، فكيف بترك بل بهدم أعظم الفرائض وأولها ورأسها وأصلها، ألا وهو الكفر بالطاغوت وتوحيد الله بكافة أنواع العبادة، ونعني من ذلك هاهنا (الطاعة في التشريع)؟
٭ ٭ ٭
____________________________________
[1] - وهذه الرواية هي المذهب الذي يشير إليه عبد الله بن شقيق في أثره المذكور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام