words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الجمعة، 13 مارس 2020

(11) قالوا: نحن لا نستطيع أن نقاتل الحكام المبدّلين للشريعة - إن ثبت كفرهم - فما الفائدة من إثارة موضوع تكفيرهم؟!




الجواب:
الخروج عليهم بالسيف غير تكفيرهم وإن كان الآخر سببًا للأول، فإذا تحقق العجز عن الخروج فإنه من الميسور تكفيرهم وبيان حكم الله فيهم وتحذير الأمة منهم، والميسور لا يسقط بالمعسور، وقد تقدم أن "التكفير" هو مطلب شرعي وموقف عقدي وإيماني لا يمكن تجاوزه [[1]].
والأسماء تثبت بالصفات الموجبة لها، فمن أظهر لنا الكفر أظهرنا له التكفير، وسميناه كافرا، والذي يسرق نسميه سارقا، والذي يزني نسميه زانيا، وهلمّ جرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" (ص 34):
"إن الإيمان والنفاق أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه".
وإن مذهب الإرجاء يتناسب مع من يتميع في موقفه ويؤثر السلامة على المخاطرة وإن كانت بالباطل [[2]].
ثم نسأل: ما هو دليلكم الشرعي على ربط التكفير بإمكانية الخروج بحيث إذا انتفت القدرة على الخروج كان من لوازمه انتفاء التكفير، ومن هم سلفكم من علماء الأمة في ذلك؟!
ثم ها نحن عاجزون عن تطبيق حد الزنى وحد السرقة على الزاني والسارق، فهل ترون ذلك لازما لنا في أن نبين للناس حكم الله في الزاني والسارق، ونحذر الناس من الزنى والسرقة؟! لا أظن عاقلاً عارفا لبديهيات الدين يجيب: بنعم! فالتوحيد ومتطلباته أحقُّ وأولى بالبيان، وعدم الكتمان.
ومن غرائب القوم أنهم يشغلون أنفسهم وغيرهم في الفقهيات والرقائق مع علمهم أن الساحة مليئة بالآلهة التي تعبد من دون الله، والناس إلى عباداتهم سراعا، ومن دون أن يقولوا فيهم كلمة واحدة، بينما في الخلافيات، والفقهيات، والفرعيات تراهم يؤلفون كتبا ومجلدات!
اشتغلوا بالفرعيات، وتركوا أصل الأصول الذي لا يقبل من دونه عمل ولا يصح بناء، وحاربوا المعاصي الصغرى وغفلوا عن الشرك الأكبر الذي يحبط ويبطل جميع العمل!
(والذي يتصور أنه ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه في حكم الطواغيت من دون الله، إنما يعيش في وهم أو يفقد الإحساس بالواقع!).
هذه كلمة مقتضبة من كلمة لسيد قطب رحمه الله تعالى قالها في "ظلال القرآن" 3/ 1319 – عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ . قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 88، 89] – قال رحمه الله تعالى:
"إن تكاليف الخروج من العبودية للطاغوت والدينونة لله وحده - مهما عظمت وشقت - أقل وأهون من تكاليف العبودية للطواغيت! إن تكاليف العبودية للطواغيت فاحشة - مهما لاح فيها من السلامة والأمن والطمأنينة على الحياة والمقام والرزق! - إنها تكاليف بطيئة طويلة مديدة! تكاليف في إنسانية الإنسان ذاته فهذه الإنسانية لا توجد، والإنسان عبد للإنسان - وأي عبودية شر من خضوع الإنسان لما يشرعه له إنسان؟! وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بإرادة إنسان آخر به، ورضاه أو غضبه عليه؟! وأي عبودية شر من أن تتعلق مصائر إنسان بهوى إنسان مثله ورغباته وشهواته؟! وأي عبودية شر من أن يكون للإنسان خطام أو لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان؟! على أن الأمر لا يقف عند حد هذه المعاني الرفيعة، إنه يهبط ويهبط حتى يكلف الناس - في حكم الطواغيت - أموالهم التي لا يحميها شرع ولا يحوطها سياج، كما يكلفهم أولادهم إذ ينشئهم الطاغوت كما شاء على ما شاء من التصورات والأفكار والمفهومات والأخلاق والتقاليد والعادات، فوق ما يتحكم في أرواحهم وفي حياتهم ذاتها، فيذبحهم على مذبح هواه، ويقيم من جماجمهم وأشلائهم أعلام المجد لذاته والجاه! ثم يكلفهم أعراضهم في النهاية، حيث لا يملك أب أن يمنع فتاته من الدعارة التي يريدها بها الطواغيت، سواء في صورة الغصب المباشر - كما يقع على نطاق واسع على مدار التاريخ - أو في صورة تنشئتهن على تصورات ومفاهيم تجعلهن نهبًا مباحًا للشهوات تحت أي شعار! وتمهد لهن الدعارة والفجور تحت أي ستار، والذي يتصور أنه ينجو بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه وبناته في حكم الطواغيت من دون الله، إنما يعيش في وهم، أو يفقد الإحساس بالواقع! إن عبادة الطاغوت عظيمة التكاليف في النفس والعرض والمال، ومهما تكن تكاليف العبودية لله، فهي أربح وأقوم حتى بميزان هذه الحياة، فضلاً على وزنها في ميزان الله".


٭ ٭ ٭

_____________________ 

[1] - انظر الشبهة رقم (9).
[2] - وإنا لنجد كثيرًا من الأنبياء قد أنذروا أقوامهم وجهروا بعداوة وتكفير الطواغيت وغيرهم من الكافرين من دون أن يباشروا قتالهم أو أن يحملوا عليهم سلاحا، أو أن يُؤمروا بقتالهم، كما في المرحلة المكية التي قضاها سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد r من غير قتال أو حتى إذن بقتال المشركين، لكن هذا لم يمنعه من الصدوع بالحق والجهر بعداوة المشركين وتكفيرهم وتكفير طواغيتهم، وتبشيرهم بعذاب جهنم الأليم.
قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 94):
"إن من أخفى آيات الرسل آيات هود، حتى قال له قومه: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53]، ومع هذا فبينته من أوضح البينات لمن وفقه الله لتدبرها، وقد أشار إليه بقوله: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 54 - 56]، فهذا من أعظم الآيات: أن رجلا واحدا يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب، غير جزع ولا فزع ولا خوار، بل هو واثق بما قاله، جازم به، فأشهد الله أولا على براءته من دينهم وما هم عليه، إشهاد واثق به معتمد عليه، معلم لقومه أنه وليه وناصره وغير مسلط لهم عليه، ثم أشهدهم إشهاد مجاهر لهم بالمخالفة أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون عليها ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتهم لها، ثم أكد ذلك عليهم بالاستهانة لهم واحتقارهم وازدرائهم، ولو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه، ثم يعاجلونه ولا يمهلونه لم يقدروا على ذلك إلا ما كتبه الله عليه".
ثم إن من الأنبياء من لم يؤمن به من أمته إلا الرجل الواحد، أترى أن هذا النبي لعدم امتلاكه قوة السلاح الذي يمكنه من قتال أعدائه لم يصدع بالحق، ولم يكفر بالطواغيت ولم يكفرهم ويكفر كل من والاهم ودخل في ملتهم؟!
فمن عجز عن القتال قد لا يعجز عن جهاد البيان وإظهار الحق باللسان، بل في مواضع يكون جهاد اللسان أجدى وأقوى وأنكى من جهاد السنان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام